responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 24  صفحه : 102
وَإِيثَارُ صِفَتَيِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ بِالذِّكْرِ هُنَا لِأَنَّ مَعْنَاهُمَا مُنَاسِبٌ لِحِرْمَانِهِمْ مِنَ الْخُرُوجِ مِنَ النَّارِ، أَيْ لِعَدَمِ نَقْضِ حُكْمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِالْخُلُودِ فِي النَّارِ، لِأَنَّ الْعُلُوَّ فِي وَصْفِهِ تَعَالَى عُلُوٌّ مَجَازِيٌّ اعْتِبَارِيٌّ بِمَعْنَى شَرَفِ الْقَدْرِ وَكَمَالِهِ، فَهُوَ الْعَلِيُّ فِي مَرَاتِبِ الْكَمَالَاتِ كُلِّهَا بِالذَّاتِ، وَمِنْ جُمْلَةِ مَا يَقْتَضِيهِ ذَلِك تَمام الْعلم وَتَمام الْعَدْلِ، فَلِذَلِكَ لَا يَحْكُمُ إِلَّا بِمَا تَقْتَضِيهِ الْحِكْمَةُ وَالْعَدْلُ.
وَوَصْفُ الْكَبِيرِ كَذَلِكَ هُوَ كِبَرٌ مَجَازِيٌّ، وَهُوَ قُوَّةُ صِفَاتِ كَمَالِهِ، فَإِنَّ الْكَبِيرَ قَوِيٌّ وَهُوَ الْغَنِيُّ الْمُطْلَقُ، وَكِلَا الْوَصْفَيْنِ صِيغَ عَلَى مِثَالِ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الِاتِّصَافِ الذَّاتِيِّ الْمَكِينِ، وَإِنَّمَا يُقْبَلُ حُكْمُ النَّقْضِ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا لِعَدَمِ جَرْيِهِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ مِنْ سَبَبِ الْحُكْمِ وَهُوَ النَّقْضُ لِأَجْلِ مُخَالَفَةِ الْحَقِّ وَهَذَا يُنَافِيهِ وَصْفُ الْعَلِيِّ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ جَوْرٌ وَمُجَاوِزٌ لِلْحَدِّ، وَهَذَا يُنَافِيهِ وَصْفُ الْكَبِيرِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْغِنَى عَن الْجور.
[13]

[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 13]
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ (13)
هَذَا اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ إِقْبَالٌ عَلَى خِطَابِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ أَنِ انْقَضَى وَصْفُ مَا يُلَاقِي الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْعَذَابِ، وَمَا يَدْعُونَ مِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْتَجَابُ، وَقَرِينَةُ ذَلِكَ قَوْلُهُ:
وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ [غَافِر: 14] .
وَمُنَاسَبَةُ الِانْتِقَالِ هِيَ وَصْفَا الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ [غَافِر: 12] لِأَنَّ جُمْلَةَ يُرِيكُمْ آياتِهِ تُنَاسِبُ وَصْفَ الْعُلُوِّ، وَجُمْلَةَ يُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً تُنَاسِبُ وَصْفَ الْكَبِيرِ بِمَعْنَى الْغَنِيِّ الْمُطْلَقِ.
وَالْآيَاتُ: دَلَائِلُ وُجُودِهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ. وَهِيَ الْمَظَاهِرُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي تَبْدُو لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْعَالَمِ كَقَوْلِهِ: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً [الرَّعْد: 12] وَقَوْلِهُ: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ [آل عمرَان: 190] .
وَتَنْزِيلُ الرِّزْقِ مِنَ السَّمَاءِ هُوَ نُزُولُ الْمَطَرِ لِأَنَّ الْمَطَرَ سَبَبُ الرِّزْقِ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ آيَةٌ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 24  صفحه : 102
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست